قد نحتاج
ذات مرة إلى أن نعيد النظر في زوايا حياتنا حتى نشعر بالفرح،جدتي تكثر من الملح في
الطعام وتخبرني أنه يعطي مذاقاً للحياة...
ولكني لم
أفطن إلا بعد أن رحلت إلى أنه الملح ذاك ليس سوى آلامنا، وخبزها الجاف هو وجه
الحياة هذه، تبتسم وكأنها زوجة القيصر، مع إدراكها المسبق أن موسم جوع سيأتي دون
أن يكون هناك يوسف ليدبر الأمر..
كل تلك
الحكايا التي مثلتها لنا في الحياة لتخبرنا فقط أن مشهد الحياة لن يكتمل إلا
بإرادتنا،ربما لهذا السبب أدمنت تعليق لوحي بدون أطر كما يفعل الرسامون عادة، لأني
أعتقد أن ذلك الإطار في الحقيقة هو سجن،لم لا ننظر وحسب إلى تلك الألوان بأحداقنا
الحقيقية لا بإطار الفنان وحسب!
صديقة
قديمة أخبرتني أنها عندما تعرفت علي كرهتني من أول نظرة! وكنت أعتقد إلا أن رأيتها
أن الحب وحدة من يغتسل بتلك القاعدة الطينية ،فهي تشبه إلى حد كبير وجه صاحبها
الذي قالها للتاريخ ،دون أن يوضح أن تطبيق تلك القاعدة يعني خسران الكثير، وعندما
سألتها عن سبب كرهها المبدأي لي ، ابتسمت وأردفت: المظاهر خداعة!!
نظراتي
اختصرت استغرابي من إجابتها!
-
الحقيقة أنك بدوت لي كمغرورة...فقررت أن أتكبر عليك،
والتكبر على المتكبر (صدقة)!
-
صدقة!!
كانت تثرثر بالكلمات
وأنا أثرثر بالصمت...لماذا الكثير من تلك الألفاظ هي من تحدد بوصلة
حركاتنا، حسناً...الخلل لا يأتي فجأة، بل نحن نمارسه كاعتقاد ودين خصوصاً إذا
اعتنقه الآباء ولاكته الجدات ولعب به الصبيان..
يراودني سؤال
غريب: إذاً هل نحن نشبه قريشاً في جهلها!
أوردته
كسؤال مبطن في أحد كتاباتي، فهمس لي قريب صدوق بأن ذلك قد يدخل في إطار الفسوق
والعصيان، بعد ذلك قررت أن أكتفي بالقراءة دون الكتابة، فوصلت إلى باب الشباب
المهدور في كتاب الإنسان المهدور، فقررت أن أعود لموسم الكتابة ولكن ليس بصمت كما
كنت أفعل ، بل ببوح وإن كان فيه هلاكي....فالطيور عندما تقرر هجرة الحياة لا
تستأذن من الشمس أو القمر أو حتى الريح، بل تميل بأجنحتها ورؤسها الصغيرة....ثم
تصل إلى الأمان.
إذاً هي
تغادر إلى موسم الحياة عبر موسم الموت، ترى عل يصادفها موسم فرح في تلك الرحلة!
فرحت
بصديقتي التي غيرت قاعدتها السطحية تلك وصادقتني، وفرحت بقراري الشجاع وعودتي
للكتابة، وفرحت بصمتي الذي أعانني على استجلاء أجوبة كثيرة،لكني على الآن لم أعرف
ما يعني فرح؟!
أحياناً
يأتي كصوت أمي، وأحياناً كمزحة عابرة من شقيقي الصفير، وربما هدية مغلفة من صديقة
لا أعرفها كثيراً، وربما عندما أنتهي من رواية أو مقال أتحدث فيه دون خوف، وربما
عندما يهديني جدي شيء بعد أن يعود من رحلة الحج، وربما...حقاً أرى الفرح شيء
استهلاكي يشبه الموت ، أو الغضب، أو حتى الضجر...جميعها ملح الحياة كما علمتني جدتي،
وكنت في زمن سابق أراه الوقت المحصور في مسلسل الأطفال الذي يضيعه نصفه في النشرة
المحلية أو بانقطاع التيار الكهربي، والآن ...لم يعد له حتى تلك المساحة! أقرر أن
أمارس هواية غريبة لأبحث عن إجابة جديدة، ماذا لو شاهدت مسلسل أطفال دون أن يقطع،
ربما عدت إلى الذاكرة لأكمل ذلك النقص الذي علق منذ زمن ذيل الحصان، أنسجم مع مشهد
كوميدي ويزورني فرح الصبا، يأتي بعد ذلك فاصل قصير( سنعود بعد قليل)، أقلب قناة
الجزيرة لأستغل الوقت..دموع طفلة سورية تختصر وأد تلك الابتسامة التي علقت في ثغري
منذ قليل،أطفئ التلفاز بهدوء، وأدرك أن تلك العبارة المجتزأة اختصرت إجابات كثيرة،
فالفرح والبكاء سيأتيان أو يختفيان بعد قليل!