الثلاثاء، 19 مارس 2013

(11)




خطان أسودان..
 ماذا لو كانا عكازتين!
في كف مسن يسعى جاهداً للوصول إلى خط النهاية بكرامة، أو لعله يلوح بهما للشمس حتى ترفق به..
أو ، ماذا لو كانا مجرد ابتسامتين اسمنتيتين كما تفعل العاصمة عندما تبتسم للشمس، أو لنقل أنهما مجرد لوحين تتفاخر بها المدن على القرى، وتسخر منها الأشجار والبساتين في سرها..
حسناَ لو وقفت من هذه الزاوية ، سيكونان أشبهان ب علامة (=) التي أدمناها في مناهج التعليم، ثم خرجنا ونحن لا نساوي شياً، أتذكر أني درسة شيئاً يشبه المطر ويشبه البكاء ويشبه الذهول، كان اسمها( المعادلات الزمنية) نقيس بها حجم ظل ضوء لم نكن نراه، ولكن قال لنا المعلم لنتخيله، وعندما جمح بنا الخيال لأن نضح معادلاتنا للحرية، أخذنا علامة صفر في شمال الحياة، والبعض اختفى في أقبية السجون أو بطن الأرض!
ومن هذه الزاوية يشبه فتحة نهر ظل طريقه للحياة، فصار حكراً على شيخ قرية، يهبه لمن يشاء، ويمنعه عمن يشاء..
أو لعله قطعة حلوى مدنية نستوردها من الصين لتصل شبه منتهية الصلاحية، فيستفيد طبيب الأسنان والمعدة على حد سواء، وكأنها صفقة قميئة يتقنها من باع الإنسانية من اشتراها على حد سواء!!
ظله الطويل يرتسم بشكل غريب على عرض تلك السكتين، يتناهى إلى سمعه صوت صراخ وضجيج، لم يحفل ، واصل تأمله المضني، ليبحث عن إجابة مقنعة، وعندما غير زاويته ترآت له شاحنة غاضبة قادمة بسرعة إلى حيث ظله، لم يحفل بها أيضاً ،واصل تأمله لها، وقرر أن يدخلها في معادلات تفكيره ، لم تعطه فرصة فقد أخرجته من معادلة الحياة.


سالي




في النافذة كف جميلة لفتاة فقيرة، والفقر يهضم الجمال وإن كان آخاذاً، تدرك أن لا قيمة لجمالها لأنها ابنة اسكافي الحي،وكم تقول ابنة عاقل الحي القبيحة: وجهة يشبه ما يصنع والدك! كانت تدرك المغزى من تلك الشتيمة المغلفة، ومع ذلك كانت تبتسم لتزيد جمالاً وتزيد الأخرى غيضاً.
سألت والدتها ذات صباح: لماذا سميتني سالي!
-        أجابت أمها بنظرة حالمة: لأنك تشبهينها بجمالها وفقرها..
-        ابتسمت الفتاة في سرها وواصلت تنظيف النافذة،تأملت ابتسامة والدتها المنطبعة على سطح ذلك الزجاج، هي تدرك مسبقاً أن والدتها التي عشقت القصص الرومانسية تعرف استحالة ذلك، فقد حلمت وحلمت، إلى أن انتهى بها المطاف في صفيحة هذا الإسكافي الطيب، تساءلت في سرها: هل حقاً تصنع أسماءنا أقدارنا....!
-        عندما عاد والدها بابتسامته المعهودة وتعبه المضني، كرر عليها نفس السؤال: هل أنت موافقة..
-        كانت تتأمل حركة شفتيه، وهي تدرك أن كلمتها الأخيرة ستحدد مصيرها كما حددت والدتها مصيرها، تدرك أن نعمان فتى طيب، ولكنه لا يتناسب مع طموحات اسمها، تتذكر أنها لو وافقت لن تخرج أحلامها عن حيز الحديث كما فعلت والدتها، ولكنها تطمع ان يأتي لها فارس بدون جواد، وبدون حذاء، ستأخذ حذاءها من متجر والدها الصغير، وتريده أن يجعلها سالي ملكة الألماس ولو لم تملك ألماسة واحدة، ونعمان المشدوه بجمالها لا يملك حتى الأمنيات، كيف بها إذاً أن يمنيها في لياليها القارسة!، تعود إلى حيث شفتي والدها، وتكرر إجابتها المعهودة: لا..
-        بعد أصياف ليست قليلة، أصبحت ملكة الألماس، وضحكت والدتها التي لم تعد حتى تبتسم، ووالدها الإسكافي صنع لها حذاء لم تحلم به لا سندريلا ولا أميرها،حتى نعمان الفتى الطيب أسقط دمعتين في حضرتها ثم بارك لها، وابنة عاقل الحي همست لها بشتيمة مغلة أخيرة، غير أنها كانت مهذبة، لقد أخبرتها بأنه: أحياناً عندما يطيل الحذاء النظر إلى السماء...قد يتحول إلى ألماس..لكنه لا يزال حذاءاً من الداخل!
كانت تهمس لنفسها، حذاء أو ألماس، لا يهم....المهم أن يتقن أميري صناعة الأمنيات، وفي المساء اكتشفت أن أميرها لم يكن سوى قطعة ألماس...تأملت الحذاء الذي أهداه لها والدها، لقد كان دافئاً أكثر من تلك الابتسامة الباردة التي يحملها ذلك الألماس.

موعد أزرق




في كل مرة تحمل لوناً جديداً لتكتمل أنوثتها، أخبرتها والدتها بأن الحب لا يحتاج إلى تبرير أو ألوان إذا كان صادقاً، ولكنها كانت مصرة على أن تثبت له أنها تحبه بطريقتها.
 في البداية اعتاد منها لبس تلك الألوان الغريبة ، وظن أنه من قبيل الدعابة، لكنه لم يبرره على أنه زيادة في منسوب الحب..
\اليوم كانت زرقاء بالكامل، أحداقها، شفاهها ، ديكورها الخارجي، إلى درجة أنه ظن لوهلة انه أمام ميت متحرك!
 كانت تبتسم بطريقة اعتيادية، ولكنه كان مذعوراً بطريقة غير اعتيادية.
مر عام على آخر لقاء بينهما، وأدركت مؤخراً أن الحب لا يحتاج لألوان فاقعة حتى يبرهن على وجوده!



الاثنين، 11 مارس 2013

ثرثرة في رصيف الثورة (قصة قصيرة)



إرتدي بزتك السوداء أو الخضراء أو حتى الصفراء، لا شيء سيتغير على كل حال، فالموت المسبق عندما يزور الأحداق، يسرق جاذبية الألوان التي تعطي للأشياء قيمتها،حسناً سأترك فلسفتي قليلاً حتى أصير واحداً منهم، ترى اليوم هل  يتوجب علي أن أختار نمط الصمت أم تأييد الجنرال أم دعم الشيخ! سيكون الأمر مرتبط بجو الباص، الذي سيحدد طريقة رؤيتي للأمور بعد قليل،فلو كان سائق الباص ممن يجيدون اللعن وأغلبهم من أنصار النظام السابق ،سأضطر إلى اختيار نمط الصمت وأوافق هاتفي في نظامه، وإن رأيت صحيفة في يد أحدهم تسب الرئيس السابق وتمجد الجنرال والشيخ الذين ثاروا مع الثوار ثم أعادوا نفس النظام بنياشين جديدة!سأفضل الصمت أيضاً، فلا قيمة لما سأقول طالما أن العقول غادرت محاجرها مسبقاً...
أفضل أن أجلس إلى جوار باب الباص، وذلك لعدة أسباب منها: أني أحياناً أرغب في الموت بطريقة غريبة كما تواصل ثورتنا رقصتها الأخيرة، وأحياناً حتى أتجنب الحديث مع من يجاورني وذلك بحجة أن صوت الريح أعلى من صوته فيمل مني مبكراً،وأحياناً لأصل قبل وقت إغلاق باب التوقيع في العمل..
أترنح في باب المؤسسة، وأرى شهقاتي تسبقني حتى تلحق موعد التوقيع، وأصل في الوقت البدل ضائع، ثم أتذكر ما سيحدث نهاية كل شهر، سيخصم نصف الراتب  مع خطاب تهددي بالفصل ، أحياناً أتمنى أن أفصل حتى يكون هناك شيء جديد في حياتي، ولكنها الحكومة من ترسم حتى حجم ظلنا في الواقع..
في المقهى يدمن بعضنا الحديث، أو الصمت مع نكهة القهوة، أو بعض أعواد القات والشجار ،وغالباً لا ينفك حديثنا عن الثورة، عن الجنرال والشيخ، عن الرئيس السابق أو المخلوع، عن دم تبعثر في الجوار بدعوى إصلاحات سياسية،عن حوار وحصانة، وعن أحزاب سياسية وأخرى مذهبية، عن الجرحى الذين صاروا عبئاً على الثورة بعد أن كانوا قادتها، عن الظلم عندما يصير عدلاً بلبوس ديني أو حقوقي، عن..وعن..
يزورني منظر ظلالنا المرتسم على الرصيف، جندي يقترب منه ويدوس عليه غير آبه أثناء إشعاله سيجارة مستوردة،ربما كان الحاكم الثائر يرانا بنفس الطريقة طالما بقي بزيه العسكري، لم يحترم ذلك الجندي نظارة المسن المرتسمة بوضوح في ظلالنا، ولا تلك الصحف والكتب التي نقلبها....حسناً الأمر برمته يختصر مشهد الواقع.
الساعة العاشرة بتوقيت العاصمة صنعاء، نشد رحالنا إلى منازلنا، ولازلنا نهمهم بالثورة ، بتوقيع العمل، بأيهما أحق بالسلطة الشيخ، أم الجنرال، أم الرئيس السابق،  ورغم إدماننا للمناقشات والتساؤلات والتفكير الجاد والمضني، إلا أننا نسينا أن نسأل أنفسنا من منا سيكون الرئيس القادم!!



لوحة أخيرة ( قصـــة قصيرة)





كلوحة قديمة تمنيت أن أرسمها، ولكن أزف وقت الحياة قبل أن أشتري علبة الألوان لأبدأ بها!
ماذا عليهم لو سمحوا لي فقط بوضح الملامح الرئيسية، ثم قطفوا ملامحي بعدها، لا يهم إن لم تكن مفهومة بذلك القدر، ولكنها على الأقل ستحمل رائحة أصابعي، وتخبر الوجود عني، وتحكي لهم عن أمنيات وئدت في لوحة شبه مبتورة فقط لأنها لا توافق هوى النظام.
اللوحة البيضاء هي مساحات روح الفنان، يملأها بالحب أو الألم، أو الخوف، أو الضجر، أو اللاشيء كما قد يفعل بعضهم عندما يكتشفون فجأة كم أصبحت الحياة قميئة بعد أن صار البشر يشبهون البنايات الإسمنتية، أتسأل اللحظة: ترى ماذا سيرسمون لو كانوا مكاني!!
السماء الفتية تبتسم هذه المرة بنهم، والأرض تشرب الدم بهدوء، ويزعمون أنها تحبنا! لا بأس أيتها الأرض أحبني بطرقك الغريبة، لكن بالله عليك هبي لي دمعة واحدة أختصر بها أمنيات الحياة، وأحجم بها مساحات الموت ، لأنها ستكون في تلك اللحظة مجرد عبرة، ودنيا لا تساوي عبرة لا تستحق الاهتمام، هيا أيتها الأرض، ساعدني على أن أتم مهمتي الأخيرة قبل أن ألتحق بركبهم،ساعديني في البحث عن إجابة أخيرة، لماذا أنا بالذات!
أنا لم أحمل بندقية لأدافع عن أمي المقتولة، ليس لأني أخاف، ولكن لان يدي الصغيرتين لا تقوى على حمله، أنا من فكرت بالريشة كسلاح يناسب حجم أصابعي، ولم أستطع حملها لأني لا أملك قيمة خبز جاف كيف بريشة ألوان زيتية! أنا ابن الأرض والسماء والوطن، ثم هاأنتم جميعاً تنظرون لي كفريسة جديدة، أو لنقل أنكم تنظرون إلي كضحية مجهولة الهوية!
لوحتي الأخيرة ليس فيها ملامح إنسان، ولكن بعض بقع الدم التي سرقتها من فم الأرض ، الملامح المرسومة تشبه شهقة الفنان اليائس، فهو يرسم نقاط كثيرة يسميها بالفن الحديث في حين لا يفهمها إلا هو، أتمنى أن تكون نقاطي الكبيرة مفهومة بشكل أوضح، فلونها لن يخرج عن تدرج اللون الأحمر، وبعد أن يجف سيصبح كلون الخوف الذي يزورنا به الموت كل صباح، السؤال الأخير الذي سأسألك أيتها الأرض الأم: في أي مزاد يمكنني أن أبيع هذه اللوحة بدون ثمن ؟ أوه....نسيت أن أخبرك..أريد الحرية، الحرية فقط ثمناً لتلك اللوحة.
دمعة أخيرة تتدحرج من عيني المتصلبة، تخالف كل قوانين الجاذبية، وتصعد إلى السماء، إلى حيث لا يوجد لوحة وريشة فنان أو دم...إلى حيث يقف الناس سواسية يقتصون ممن شاكه كيف بمن قطف روحهم إلى الأبد!!

بعد ىقليل!!



قد نحتاج ذات مرة إلى أن نعيد النظر في زوايا حياتنا حتى نشعر بالفرح،جدتي تكثر من الملح في الطعام وتخبرني أنه يعطي مذاقاً للحياة...
ولكني لم أفطن إلا بعد أن رحلت إلى أنه الملح ذاك ليس سوى آلامنا، وخبزها الجاف هو وجه الحياة هذه، تبتسم وكأنها زوجة القيصر، مع إدراكها المسبق أن موسم جوع سيأتي دون أن يكون هناك يوسف ليدبر الأمر..
كل تلك الحكايا التي مثلتها لنا في الحياة لتخبرنا فقط أن مشهد الحياة لن يكتمل إلا بإرادتنا،ربما لهذا السبب أدمنت تعليق لوحي بدون أطر كما يفعل الرسامون عادة، لأني أعتقد أن ذلك الإطار في الحقيقة هو سجن،لم لا ننظر وحسب إلى تلك الألوان بأحداقنا الحقيقية لا بإطار الفنان وحسب!
صديقة قديمة أخبرتني أنها عندما تعرفت علي كرهتني من أول نظرة! وكنت أعتقد إلا أن رأيتها أن الحب وحدة من يغتسل بتلك القاعدة الطينية ،فهي تشبه إلى حد كبير وجه صاحبها الذي قالها للتاريخ ،دون أن يوضح أن تطبيق تلك القاعدة يعني خسران الكثير، وعندما سألتها عن سبب كرهها المبدأي لي ، ابتسمت وأردفت: المظاهر خداعة!!
نظراتي اختصرت استغرابي من إجابتها!
-        الحقيقة أنك بدوت لي كمغرورة...فقررت أن أتكبر عليك، والتكبر على المتكبر (صدقة)!
-        صدقة!!
كانت تثرثر بالكلمات  وأنا أثرثر بالصمت...لماذا الكثير من تلك الألفاظ هي من تحدد بوصلة حركاتنا، حسناً...الخلل لا يأتي فجأة، بل نحن نمارسه كاعتقاد ودين خصوصاً إذا اعتنقه الآباء ولاكته الجدات ولعب به الصبيان..
يراودني سؤال غريب: إذاً هل نحن نشبه قريشاً في جهلها!
أوردته كسؤال مبطن في أحد كتاباتي، فهمس لي قريب صدوق بأن ذلك قد يدخل في إطار الفسوق والعصيان، بعد ذلك قررت أن أكتفي بالقراءة دون الكتابة، فوصلت إلى باب الشباب المهدور في كتاب الإنسان المهدور، فقررت أن أعود لموسم الكتابة ولكن ليس بصمت كما كنت أفعل ، بل ببوح وإن كان فيه هلاكي....فالطيور عندما تقرر هجرة الحياة لا تستأذن من الشمس أو القمر أو حتى الريح، بل تميل بأجنحتها ورؤسها الصغيرة....ثم تصل إلى الأمان.
إذاً هي تغادر إلى موسم الحياة عبر موسم الموت، ترى عل يصادفها موسم فرح في تلك الرحلة!
فرحت بصديقتي التي غيرت قاعدتها السطحية تلك وصادقتني، وفرحت بقراري الشجاع وعودتي للكتابة، وفرحت بصمتي الذي أعانني على استجلاء أجوبة كثيرة،لكني على الآن لم أعرف ما يعني فرح؟!
أحياناً يأتي كصوت أمي، وأحياناً كمزحة عابرة من شقيقي الصفير، وربما هدية مغلفة من صديقة لا أعرفها كثيراً، وربما عندما أنتهي من رواية أو مقال أتحدث فيه دون خوف، وربما عندما يهديني جدي شيء بعد أن يعود من رحلة الحج، وربما...حقاً أرى الفرح شيء استهلاكي يشبه الموت ، أو الغضب، أو حتى الضجر...جميعها ملح الحياة كما علمتني جدتي، وكنت في زمن سابق أراه الوقت المحصور في مسلسل الأطفال الذي يضيعه نصفه في النشرة المحلية أو بانقطاع التيار الكهربي، والآن ...لم يعد له حتى تلك المساحة! أقرر أن أمارس هواية غريبة لأبحث عن إجابة جديدة، ماذا لو شاهدت مسلسل أطفال دون أن يقطع، ربما عدت إلى الذاكرة لأكمل ذلك النقص الذي علق منذ زمن ذيل الحصان، أنسجم مع مشهد كوميدي ويزورني فرح الصبا، يأتي بعد ذلك فاصل قصير( سنعود بعد قليل)، أقلب قناة الجزيرة لأستغل الوقت..دموع طفلة سورية تختصر وأد تلك الابتسامة التي علقت في ثغري منذ قليل،أطفئ التلفاز بهدوء، وأدرك أن تلك العبارة المجتزأة اختصرت إجابات كثيرة، فالفرح والبكاء سيأتيان أو يختفيان بعد قليل!

الجمعة، 1 مارس 2013

(قطرة)





علام نترك فراشنا الوثير وننطلق بهذه السرعة!
تهمس لصديقتها المتشبثة أكثر منها بذلك الفراش...لتجيب: لا أدري! ولا أريد أن أدري...سأحرص أن لا أسقط معكن في هذه الرحلة كما أفعل كل مرة...
ولكن أمنا تقول أننا خلقنا لهذه الانطلاقة.
-        وهل سنموت لو بقينا أكثر معها!
-        لا ، ولكنها ستغضب، وتدرك أن تربيتها لنا لم تكن جيدة...
-        حسناً لم تكن جيدة، لا أريد أن ينتهي بي المطاف منسحقةً في صلب الأرض، أحب السماء أكثر من الأرض.
-        إذاً أطيعي أمك إن كنت صادقة..
-        لا أريد، لماذا تتقن أمي بذلنا ، بينما تمارس الأرض امتصاصنا دون رحمة!
-        لأنك ولدت من العطاء...
-        العطاء..هه كلمة ىساذجة، لا أريد ان أكون ابنة العطاء إذاً.
-        إذاً اهبطي إلى أصلك....الأرض.
-        دعيني وشأني، ستسقطين، كما سقط قبلك الكثير، وسأبقى هنا لأعيش حياتي التي خلقت لها.
تهتز الدنيا أمام ناظرهن ، ويسمعن نداء الرعد وهو يذكر الأم بموعد السفر القريب...
تقف الأولى مبتسمة، بينما تتشبث الثانية بكل قوتها، نظرة وداع أخيرة ترمق بها الأولى كل شيء، ثم تنطلق، تتمايل أكثر لتسبق قريناتها...
تتبدى لها الأرض مبتسمة بود وهي تفتح ذراعيها، لم تكن تريد ان تسقط فوق سيارات المارة، ولا فوق المظلات التي تستقبلهن بملل كالعادة، ولا في الرصيف فيدوس عليها المار دون أن يشعر بها، ولا تريد أن تسقط في النهر، فهي لا تريد أن تعصي وصية أمها...العطاء رسالتك يا بنتي في الحياة، أغمضت عينيها ، وتمنت لو تسقط على نبتة لتبعث فيها حياتها، وعندما فتحت عينها في اليوم التالي، كانت تتدلى من ورقة خضراء لتسقط على وردة بيضاء، رمقت السحب يود وهمست: إذاً هذا هو العطاء.